جواز المخرجة ايناس الدغيدى من الاعلامية هالة سرحان

 

# العنف ضد المرأة: أشكال قاتلة تطارد النساء في الفضاء الرقمي والواقع

 

**ملخص تنفيذي:**

لم يعد العنف ضد المرأة يقتصر على الأذى الجسدي الواضح، بل تطورت أشكاله لتشمل العنف اللفظي، المعنوي، والنفسي، والتي قد تكون أكثر إيلامًا وعمقًا. مع التوسع الهائل في استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ظهر نوع جديد من العنف يهدد النساء والفتيات بشكل خاص: العنف الرقمي.

# العنف ضد المرأة: أشكال قاتلة تطارد النساء في الفضاء الرقمي والواقع

# العنف ضد المرأة: أشكال قاتلة تطارد النساء في الفضاء الرقمي والواقع

•  يتخذ هذا النوع أشكالًا متعددة من الابتزاز والتشويه والتهديد خلف الشاشات، مخلفًا آثارًا نفسية
•  واجتماعية مدمرة. يسلط هذا المقال الضوء على تطور مفهوم العنف، ويركز على المرأة كضحية
•  رئيسية في جميع أشكاله، ويقدم إرشادات عملية لمكافحة العنف الرقمي، مستعرضًا دور الأفراد،
•  العائلات، وسائل الإعلام، والجهات الأمنية في توفير الحماية الرقمية الفعالة.

## مقدمة تحول مفهوم العنف وتداعياته على المرأة

 

لطالما ارتبط مفهوم العنف بالآثار الجسدية المباشرة: الكدمات، الجروح، والكسور التي تترك ندوبًا مرئية على الجسد. لكن التطورات في علوم النفس والاجتماع كشفت عن أبعاد أعمق وأكثر تعقيدًا للعنف، تتجاوز الأذى الجسدي لتشمل العنف اللفظي، المعنوي، والنفسي.

1.  هذه الأشكال من العنف، وإن كانت لا تترك آثارًا مرئية دائمًا، فإنها تخلف ندوبًا عميقة في الروح
2.  والذاكرة، وتؤثر بشكل بالغ على الصحة النفسية والعاطفية للضحايا. ومع التوسع غير المسبوق في
3.  استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت ساحة جديدة للعنف هي الفضاء الرقمي
4.  الذي أصبح يشكل تهديدًا متزايدًا للنساء والفتيات حول العالم.

 

### العنف الجسدي والنفسي تطور المفهوم

 

في الفلسفة الأخلاقيةوالاجتماعية القديمة، ناقش فلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو تأثير الكلمات السلبية على النفس والفضيلة، وإن لم يطلقوا عليها مصطلح "العنف اللفظي". في القرنين التاسع عشر والعشرين، بدأ الباحثون في علم النفس يميزون بوضوح بين الأذى البدني والنفسي، مع التركيز على مفهوم الإساءة النفسية والعاطفية.

• دراسات حديثة، مثل "Test of an Argumentative Skill Deficiency Model of
•  Interspousal Violence" عام 1989، قدمت تعريفًا واضحًا للإساءة اللفظية بأنها الميل لمهاجمة
•  تصور الذات للآخر وإلحاق الضرر النفسي به. كما أظهرت دراسات الطفولة وسوء المعاملة أن
•  الكلمات قد تترك آثارًا في الدماغ والجهاز العصبي لا تقل عن تلك التي يتركها الضرب الجسدي. هذا
•  التطور غير جذريًا مفهوم العنف، ليصبح أكثر شمولًا وعمقًا.

 

### المرأة الحلقة الأضعف والضحية الأبرز

 

في جميع أشكال العنف، سواء كان جسديًا أو نفسيًا، تظل المرأة هي الضحية الأولى. تعيش النساء مآسي صامتة حيث يكون العنف الجسدي ظاهرًا، بينما يظل العنف اللفظي والمعنوي أقل ضجيجًا ولكن أعمق تأثيرًا.

تفيد تقارير منظمة الصحة العالمية لعام 2024 بأن ثلث نساء العالم تقريبًا تعرضن للعنف الجسدي أو الجنسي من قبل شريكهن. دراسة تركية شملت 303 نساء (2023) أظهرت أن 83.4% منهن تعرضن لأنواع مختلطة من العنف اللفظي والجسدي. هذه الإحصائيات تؤكد أن النساء لسن مجرد جمهور عشوائي للعنف، بل هدفًا مركزًا ومقصودًا في دوائر السلطة، حيث يتداخل الضرب والإهانات كجزء من نسيج واحد للسيطرة والتحكم.

 

 

## العنف الرقمي ساحة جديدة للتهديد

 

مع انتشار الإنترنت، وجد العنف لنفسه مقعدًا في العالم الافتراضي. لم يعد العنف مقتصرًا على المواجهات وجهًا لوجه، بل أصبح يختبئ خلف الشاشات وفي الرسائل النصية، حاملًا معه تهديدات نفسية واجتماعية خطيرة.

 

### ما هو العنف الرقمي؟

 

العنف الرقمي هو أي فعل عدواني أو مسيء يحدث عبر منصات الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي. يتجلى في سلوك ممنهج يهدف إلى إيذاء الضحية والتحكم بها، وقد يؤدي إلى عواقب مدمرة على الصحة النفسية والسمعة.

 

### أشكال العنف الرقمي الأكثر شيوعًا:

 

1.  **الابتزاز الإلكتروني:** يهدد المبتز بنشر صور أو فيديوهات خاصة للضحية مقابل المال أو لتنفيذ مطالب شخصية.

2.  **التحرش عبر الإنترنت:** يتضمن إرسال رسائل أو صور ذات محتوى جنسي غير مرغوب فيه، أو فرض علاقات قسرية.

3.  **التشهير ونشر الشائعات:** يقوم الجاني بنشر معلومات كاذبة أو صور مفبركة لتشويه سمعة الضحية اجتماعيًا ومهنيًا.

4.  **السيطرة والتتبع الرقمي:** يتحكم المعتدي في حسابات الضحية أو يتتبع مواقعها عبر التطبيقات، منتهكًا خصوصيتها ومعرضًا إياها للخطر.

5.  **الإهانات والتهديدات الصريحة:** نشر تعليقات عدوانية أو تهديدات صريحة عبر الإنترنت تسبب الخوف والإحباط الدائم للضحية.

 

### النساء في عين العاصفة الرقمية

 

تشير الإحصائيات والدراسات العالمية إلى أن النساء والفتيات هن الفئة الأكثر تضررًا من العنف الرقمي. تقرير لمنظمة العفو الدولية كشف أن واحدة من كل خمس نساء تعرضت لإساءة أو تحرش إلكتروني.

1.  نصف هؤلاء النساء تقريبًا أفدن بأن الإساءة كانت متحيزة جنسيًا أو معادية للمرأة، و27% منهن
2.  تعرضن لتهديدات بالاعتداء الجنسي أو الجسدي. 55% من الضحايا عانين من القلق أو التوتر أو
3.  نوبات الهلع، والكثيرات واجهن عواقب نفسية تشمل فقدان الثقة بالنفس والشعور بالعجز. يشير المعهد
4.  الأوروبي للمساواة بين الجنسين (EIGE) إلى أن واحدة من كل 10 نساء تعرضت لشكل من أشكال
5.  العنف الرقمي منذ سن 15.

 

تتحمل المرأة هذا العبء لأسباب متعددة:

*   **الوصمة الاجتماعية:** في العديد من المجتمعات، تخشى النساء الإبلاغ عن الابتزاز خوفًا من وصمة العار، مما يشجع المبتزين.

*   **الاستغلال العاطفي:** غالبًا ما يأتي الابتزاز من شركاء سابقين أو مقربين يستغلون العلاقة السابقة للسيطرة والانتقام.

*   **ضعف القوانين:** عدم وضوح القوانين المتعلقة بالجرائم الإلكترونية في بعض البلدان يعيق ملاحقة المبتزين ويوفر بيئة خصبة للاعتداء.

 

 

## مكافحة الابتزاز الإلكتروني تجارب وحلول

 

يُعد الابتزاز الإلكتروني من أكثر أشكال العنف الرقمي انتشارًا وتأثيرًا، مما يتطلب جهودًا مكثفة لمكافحته.

 

### مبادرات التوعية والدعم

 

في لبنان، أطلقت الإعلامية والمختصة في الإعلام الرقمي، لطيفة الحسنية، حملة لمكافحة الابتزاز الإلكتروني عام 2019 بعد حادثة انتحار فتاة تبلغ من العمر 14 عامًا تعرضت للابتزاز. هدفت الحملة في البداية لحماية الفئة العمرية بين 13 و21 عامًا، لكنها توسعت لتشمل جميع الأعمار. تقدم الحملة الدعم والمساعدة عبر أخصائيين، وتتواصل مع الضحايا لتهدئتهم وتدريبهم على كيفية التصرف.

 

• تؤكد الحسنية أن أشكال الابتزاز تختلف بين النساء والرجال. النساء غالبًا ما يتعرضن للابتزاز من
•  أشخاص مقربين (خطيب، حبيب، زوج سابق)، وغالبًا ما يكون الهدف انتقامًا، أو لإقامة علاقة
•  قسرية، أو للتهديد بنشر صور خاصة. أما الرجال، فيتعرضون غالبًا للابتزاز المادي من قبل
•  عصابات محترفة تستخدم حسابات وهمية.

 

### إشارات الخطر ونصائح للضحايا

 

تشدد الحسنية على أن إشارات الابتزاز واضحة ومباشرة، وتبدأ غالبًا بتهديدات فور انتهاء العلاقة. لذا، تحذر بشدة من إرسال أي صور أو فيديوهات جريئة، حيث يمكن أن يتغير وجه الشريك فجأة بعد الانفصال.

 

**نصائح أساسية لضحايا الابتزاز الإلكتروني:**

1.  **لا تستسلم للخوف:** عدم الاستجابة لمطالب المبتز هو الخطوة الأولى والأهم. الخوف يشجع المبتز على التمادي.

2.  **الإبلاغ الفوري:** يجب التبليغ عن الحادثة فورًا للجهات المختصة، مثل مكتب جرائم المعلوماتية أو أقسام الشرطة. الشرح المفصل للوضع يساعد الجهات الأمنية على التحرك بسرعة.

3.  **عدم التواصل مع المبتز:** أي تواصل أو استفزاز للمبتز قد يدفعه لنشر الصور أو الفيديوهات، مما يزيد الأمر تعقيدًا.

4.  **حماية الحسابات:** في حالات اختراق الهواتف أو حسابات التواصل الاجتماعي، الضحية بريئة تمامًا، والإبلاغ عنها يكون أكثر سهولة.

 

### دور الإعلام في التوعية

 

ترى لطيفة الحسنية أن دور وسائل الإعلام في التوعية بالابتزاز الإلكتروني ضعيف، حيث تتعامل معه كـ "ترند" مؤقت يختفي بمجرد تلاشي الحالات الظاهرة للعلن. وتؤكد على ضرورة استمرارية حملات التوعية، مع التحذير من ظهور الضحايا في الإعلام، لما قد يسببه ذلك من تجديد للابتزاز أو وصمة عار. وتشدد على أن انتشار تطبيقات مثل "تيك توك" يتطلب توعية أكبر بأخطار سوء الاستخدام.

 

### دور القوى الأمنية وأهمية القوانين

 

تؤكد الحسنية على تجاوب القوى الأمنية في لبنان والعالم العربي مع قضايا الابتزاز، حيث تم القبض على العديد من المبتزين. لكنها تشير إلى بطء الإجراءات القانونية أحيانًا، مما يعطي المبتز فرصة لنشر المحتوى.

1.  لذا، تطالب بتشريع قوانين عاجلة تضمن سرعة التحرك الفوري بعد تبليغ الضحية
2.  والقبض على المبتز ومحاسبته ومنعه من النشر. هذا من شأنه أن يوفر حماية رقمية فعالة وينقذ
3.  الضحايا.

 

 

## الحماية الرقمية خطوات أساسية للوقاية

 

لتحقيق الحماية الرقمية الفعالة، يجب الانتباه لعدة أمور عند استخدام الإنترنت:

1.  **لا تفتح أي روابط مجهولة:** حتى لو وصلك رابط من شخص تعرفه عبر رسالة مباشرة، لا تفتحه دون التحقق، فقد يكون حسابه مخترقًا.

2.  **انتبه لما تنشره أو ترسله:** يجب الحذر من نشر أو إرسال أي صور أو فيديوهات شخصية أو حساسة، حيث يمكن استغلالها بطرق خاطئة.

3.  **المحادثات الخاصة خطيرة:** كن حذرًا في المحادثات الخاصة، خاصة على التطبيقات التي تتضمن دعمًا ماديًا، حيث يمكن للمحتوى الخاص أن يستخدم للانتقام أو الابتزاز.

 

### قصة نجاح الأبوة الواعية كخط دفاع

 

تروي لطيفة الحسنية قصة نجاح لفتاة تبلغ من العمر 15 عامًا تعرضت للابتزاز. قام المبتز بجمع صور لعدة فتيات وطالبهن بالمال. أبلغت الفتاة والدها الذي أظهر وعيًا ومسؤولية عالية. طلب الأب من ابنته مواصلة التظاهر بالتجاوب مع المبتز، وحدد له موعدًا ومكانًا لتسليم المال.

1.  في اليوم المحدد، كانت عناصر من قوى الأمن في الانتظار، وتم القبض على المبتز فور وصوله. هذه
2.  القصة تؤكد على أهمية تدخل الأهل الواعي والسليم في حماية المراهقين والإيقاع بالمبتزين، حيث أن
3.  المراهقين وحدهم قد يعجزون عن مواجهة مثل هذه المواقف.

 

## الخلاصة مسؤولية مجتمعية لحماية النساء رقميًا

 

إن العنف، في جميع أشكاله التقليدية والرقمية، يمثل تهديدًا خطيرًا للنساء والفتيات. تتطلب مكافحة هذا العنف جهدًا مجتمعيًا متكاملًا يشمل التوعية المستمرة، توفير الدعم النفسي والقانوني للضحايا، تفعيل دور وسائل الإعلام بشكل احترافي ومسؤول، وتطوير قوانين سريعة وفعالة لملاحقة المبتزين والمعتدين الرقميين. 

الحماية الرقمية ليست مسؤولية فردية فحسب، بل هي واجب على جميع أفراد المجتمع ومؤسساته لضمان بيئة آمنة وداعمة للمرأة في الفضاء الرقمي والواقع.